أن تكون في علاقة مع شخص لديه أسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي (ويُعرف أيضاً بالارتباط التجنبي) يشبه إلى حدٍ ما رعاية نبتة جميلة لكنها حساسة. هذه النبتة تزدهر فقط إذا ما تلقت القدر المناسب من العناية ــ فإذا منحتها اهتماماً زائداً ذبلت، وإن أهملتها جفت. إن هذه النبتة (أي شريكك في العلاقة) تحتاج إلى صبر، وتفهّم، وتوازن دقيق بين الرعاية وترك المساحة.
قد يكون دعم شريك يتمتع بأسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي أمراً مليئاً بالتحديات، لكن فهم الديناميكية القائمة ــ وبشكل خاص دورك فيها ــ يمكن أن يساعدك على التنقل بشكل أفضل والاستجابة لاحتياجات شريكك. لا يمكنك تغيير شريكك أو إصلاح أسلوب ارتباطه. لكن عبر تطوير وعيك الذاتي، يمكنك دعمه بشكل أكثر فعالية وخلق الظروف التي قد تساعده على تطوير شعور أكثر أماناً بالترابط.
فهم أسلوب الارتباط التجنبي ــ الانتقاصي
للتوضيح، هذا المقال يتمحور حولك أنت ــ وبشكل خاص ميولك الشخصية وكيف يمكنك أن تدعم شريكك التجنبي ــ الانتقاصي. لكن، وقبل الخوض في التفاصيل، نود أن نأخذ لحظة لمراجعة أسلوب الارتباط التجنبي ــ الانتقاصي. فمن المهم أن تفهم ما يمر به شريكك تماماً إذا كنت ترغب في معرفة أفضل الوسائل لدعمه.
إن أردت التعرف أكثر على أساليب الارتباط عموماً، ندعوك لقراءة مقالنا “نظرية التعلق ونوع الشخصية: استكشاف الروابط.” أما هنا فسنكتفي بالموجز: يتكون أسلوب ارتباط كل شخص (نعم، لديك أنت أيضاً أسلوب ارتباط) منذ الطفولة بفضل تجاربه مع مقدّمي الرعاية الأساسيين. هذه العلاقات المبكرة تُشكّل تفاعلنا مع الآخرين، لاسيما في سياق العلاقات العاطفية، طيلة حياتنا.
لا يوجد شيء ثابت أو مطلق في أسلوب ارتباط الإنسان. كما أن طريقة ظهور السلوكيات المرتبطة بالارتباط تتأثر بعوامل عدة، منها نوع الشخصية. وبرغم اختلاف هذه المتغيرات، إلا أن من يملكون أسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي يتسمون ببعض التوجهات المميزة:
- يقدرون الاستقلالية والاعتماد على الذات بشكل كبير
- يجدون صعوبة في بناء الحميمية العاطفية والتعبير عن الضعف
- يصعب عليهم الوثوق بالآخرين أو الاعتماد عليهم
- يقمعون أو يتجاهلون احتياجاتهم العاطفية الخاصة
- يتجنبون المواجهة أو المحادثات العميقة حول المشاعر
- ينسحبون عندما يشعرون بالإرهاق أو الضغط
غالباً ما يكون البالغون الذين يظهرون هذه السلوكيات قد نشأوا مع مقدمي رعاية كانوا في الغالب يتجاهلون أو يفشلون في تلبية احتياجاتهم العاطفية حين كانوا أطفالاً. قد يكون شريكك نشأ في منزل كان يُنظر فيه إلى المشاعر على أنها ضعف، أو جوبهت محاولاته للتواصل أو طلب المودة بالرفض باستمرار. وعلى مر الوقت، أدى ذلك إلى ترسيخ اعتقاد داخلي بأن الانكشاف أو الاعتماد على الآخرين أمر غير آمن أو غير ضروري.
ومن المهم الإشارة إلى أن امتلاك شريكك لأسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي لا يعني أنه لا يهتم لأمرك. بل إنه طوّر هذه الآليات، في الغالب بشكل لا واعٍ، لحماية نفسه من التهديدات العاطفية أو مخاطر الانكشاف. وفهم ذلك قد يساعدك على التعامل معه والاستجابة لاحتياجاته بمزيد من التعاطف والصبر.
تحديات دعم شريك تجنبي ــ انتقاصي
والآن نعود إليك. ربما تحب شريكك وترغب بدعمه، إلا أن العلاقة مع شخص يملك أسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي تضع أمامك تحديات خاصة. إليك بعض المشاعر أو التجارب التي يعاني منها كثير من شركاء هؤلاء الأشخاص:
- الإحساس بالعزلة العاطفية أو الإهمال
- الارتباك نتيجة تقلبات سلوك الشريك
- الإحباط من تردد الشريك في الالتزام أو التخطيط للمستقبل
- الألم الناتج عن ميل الشريك للانسحاب أو الانغلاق على ذاته
- انعدام الأمان بخصوص استقرار العلاقة عموماً
لبعض أنواع الشخصيات، قد تكون هذه التحديات صعبة التحمّل. على سبيل المثال، قد يحنّ أصحاب نوع الشخصية عاطفي، الذين يقدرون الترابط والانسجام العاطفي، إلى حميمية أعمق مما يستطيع أو يرغب الشريك في تقديمه. وبالمثل، قد يجد أصحاب نمط الشخصية مخطط، الذين يفضلون النظام والالتزامات الواضحة، ميل شريكهم التجنبي ــ الانتقاصي لتجنب تحديد أهداف مشتركة أمراً محبطاً للغاية.
هذه السلوكيات المرتبطة بالشخصية قد تصنع توتراً وضغطاً أيضاً على الشريك التجنبي ــ الانتقاصي. إذا كان نمط الشخصية عاطفي يضغط باستمرار على شريكه ليكشف عن مشاعره بدافع الرغبة في التقارب، فقد يدفعه ذلك إلى الانسحاب بشكل أعمق. أما إذا كان نمط الشخصية مخطط في عجلة من أمره لتعريف العلاقة أو رسم رؤيتها المستقبلية الطويلة الأمد، فقد يؤدي ذلك لإغلاق الشريك التجنبي ــ الانتقاصي لأنه يشعر أن استقلاليته مهددة.
الدرس هنا هو أن أسلوب ارتباط شريكك التجنبي ــ الانتقاصي سيؤثر عليك بطرق مختلفة حسب سمات شخصيتك الفريدة. ومن دون إدراك ذلك، قد تتسبب احتياجاتك وسلوكياتك المرتبطة بشخصيتك في تعزيز ميول الشريك التجنبي ــ الانتقاصي.
تأثير السمات الشخصية المختلفة على العلاقة مع شريك تجنبي ــ انتقاصي
فكيف إذاً يمكنك دعم شريك يتمتع بأسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي؟
قلناها سابقاً وسنعيدها (مرات ومرات): كل شيء يعود إلى وعيك الذاتي. لا يمكنك تغيير شريكك. لكن من خلال فهم نفسك ودور بعض السلوكيات المرتبطة بشخصيتك في ديناميكية العلاقة، يمكنك القيام بتعديلات واعية على طريقتك في التعامل مع هذا الشخص العزيز عليك. بهذا، ستتمكن من زراعة الثقة والاحترام الضروريين للوصول إلى التقارب الذي تطمح إليه.
سنستعرض في هذا القسم، سمة تلو الأخرى، كيف تؤثر سمات شخصيتك في إدراكك وتفاعلك مع أسلوب ارتباط الشريك التجنبي ــ الانتقاصي. وسنوضح كذلك كيف يمكنك الاستفادة من كل سمة لديك لتقديم الدعم الأمثل لشريكك.
في هذه المرحلة، قد ترغب في العودة إلى نتائج اختبار الشخصية المجاني الخاص بك لتتأكد من السمات التي تظهر بوضوح في نمط شخصيتك. وإن لم تكن قد أجريت الاختبار بعد، ننصحك بذلك الآن. فهذه النتائج ستكون مفيدة لك لاحقاً.
منفتح (E)
غالباً ما يحتار أصحاب الشخصيات منفتحة في كيفية التواصل مع شريك يملك أسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي. فميلهم الطبيعي لكثرة التفاعل قد يُرهق شريكهم، وغالباً ما يصعب عليهم فهم سبب تفضيل الشريك للتواصل الاجتماعي السطحي على قضاء وقت بجودة أكبر معاً. وهنا، من المهم أن يدرك المنفتحون أن هذه السلوكيات غالباً تنبع من حاجة الشريك لمساحة شخصية وليست دليلاً على قلة الاهتمام أو الرغبة في العلاقة.
لدعم شريكهم التجنبي ــ الانتقاصي بأفضل شكل، يجب على المنفتحين أن يراعوا باهتمام احتياجات الشريك الاجتماعية ويستجيبوا لها بشكل مناسب. يمكنهم الاستفادة من طبيعتهم التعبيرية للحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة وخلق مساحة آمنة وغير قضائية تسمح للشريك بالتقارب وفق وتيرته الخاصة. وفي الوقت نفسه، عليهم أيضاً الحفاظ على صداقاتهم وأنشطتهم الاجتماعية المستقلة، فبهذا ستتم تلبية معظم حاجتهم للتفاعل وسيجد الشريك أيضاً المساحة التي يحتاجها دون أن يصبح ذلك مصدر خلاف في العلاقة.
للتفكير: كيف يمكنك استثمار طاقتك الاجتماعية في خلق توازن بالتفاعل مع شريكك يلبي احتياجك للتواصل ويحترم في الوقت نفسه حاجته للمساحة الشخصية؟
انطوائي (I)
غالباً ما يجد أصحاب الشخصيات الانطوائية أن ميلهم للاكتفاء بالتفاعل الاجتماعي المحدود يتماشى جيداً مع احتياجات شريكهم التجنبي ــ الانتقاصي. لكن هذا الانسجام الظاهري قد يعزز بشكل غير مقصود السلوكيات التجنبية، ويترك قضايا العلاقة المهمة دون معالجة. المفتاح للانطوائيين هو بناء جسور فوق هذه الميول المشتركة، وخلق توازن بين العزلة المريحة والتواصل المنفتح في العلاقة.
يمكن للانطوائيين الاستفادة من قوتهم الطبيعية في دعم شريكهم بعدة طرق. فعلى سبيل المثال، يمكنهم استخدام أسلوبهم الهادئ وغير الانفعالي في التواصل لمساعدة الشريك على الشعور براحة أكبر في الانفتاح. كذلك، يمكنهم استغلال قدرتهم على الاستمتاع بالوقت المشترك من دون الحاجة لتفاعل مستمر، ما يسمح للشريك بالراحة التدريجية مع التقارب. ومع ذلك، ينبغي للانطوائيين العمل على التعبير بوضوح عن احتياجاتهم ومشاعرهم، حتى وإن كان ذلك غير مريح في البداية. ومن خلال التواصل الأكثر تعمداً، يمكن لهم تعزيز التقارب، وفي نفس الوقت تقديم نموذج لتواصل آمن، قد يشجع شريكهم على تطوير أسلوب ارتباط أكثر أماناً.
للتفكير: كيف يمكنك احترام تفضيلات شريكك في التواصل مع ضمان التعبير عن احتياجاتك داخل العلاقة؟
بديهي (N)
أنواع الشخصيات البديهية، والتي تشمل كل من Analyst وDiplomat، غالباً ما تواجه تحديات متوقعة حين ترتبط بشخص يملك أسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي. فميلهم لقراءة ما بين السطور قد يؤدي لتفسيرات خاطئة لسلوك الشريك، ما يثير القلق ويقوّض الثقة للطرفين. كما أن رغبتهم في الفهم تدفعهم أحياناً للنبش في أفكار ومشاعر الشريك، وهو ما قد يصدم طبيعة الشريك الأكثر تحفظاً.
ومع ذلك، تملك الشخصيات البديهية قدرة فريدة على اكتشاف الأنماط السلوكية. وهذا ما يمكّنهم من التعلم حول احتياجات شركائهم وتطوير استجابات أكثر فعالية مع الوقت. كما تسمح لهم إبداعاتهم وانفتاحهم على النمو الشخصي بتجاوز التحديات التي قد يواجهونها في العلاقة. من خلال الموازنة بين رؤاهم البديهية والملاحظات الملموسة، يمكنهم تمييز مسببات السلوك التجنبي لدى الشريك، وخلق بيئة دافئة تشجع على التقارب والحميمية.
للتفكير: كيف يمكنك تجنب الإفراط في تحليل احتياجات شريكك أو دفعه لتقارب أو مكاشفة عاطفية تتجاوز قدراته الحالية؟
واقعي (S)
أنواع الشخصيات الواقعية، والتي تشمل جميع أفراد Sentinel وExplorer، لديهم دقة ملاحظة تسمح لهم باكتشاف حتى التغيرات الطفيفة في سلوك شريكهم والاستجابة عند ملاحظة وجود مشكلة ما. إلا أن طريقة تعاملهم العملية مع المشكلات قد تجعلهم يغفلون عن مدى تأثير قضايا الشريك المرتبطة بالارتباط العاطفي العميق.
غالباً ما يجد هؤلاء صعوبة في فهم الدوافع العميقة وراء سلوكيات الشريك التجنبي ــ الانتقاصي، كما أن ميلهم لأخذ الأمور على ظاهرها قد يجعلهم يشعرون بالإحباط من الرسائل المتقلبة التي يرسلها شريكهم. مع هذا، إلا أن الواقعيين يتميزون بقدرتهم على تثبيت الشريك في أنشطة الحياة اليومية. سواء عن طريق تقديم إلهاء مرح ومناسب من خلال مغامرات تلقائية، أو بمجرد مشاركتهم في تفاصيل الحياة الصغيرة، يمكن لهؤلاء تعزيز الإثارة والاقتراب تدريجياً عبر بناء نمط من الاهتمام والرعاية اليومية، مما يدعم تطور التعلق الأكثر أماناً بمرور الوقت.
للتفكير: كيف يمكنك الموازنة بين نهجك العملي في حل المشكلات وبين الحاجة لمعالجة الجوانب الوجدانية وغير المادية لاحتياجات شريكك التجنبي ــ الانتقاصي؟
مفكر (T)
أنواع الشخصيات المفكرة يشعرون غالباً بأنهم أكثر توافقاً مع الشركاء التجنبيين ــ الانتقاصيين لأنهم يتعاملون مع العلاقات من منظور أقل عاطفيةً. هم لا يتوقعون عادةً مكاشفة دائمة، ويتركون مساحة شخصية كافية، ما يتوافق مع احتياجات الشريك. ومع ذلك، عند مناقشة القضايا الحساسة (العاطفية أو غيرها)، يفضل أصحاب النمط المفكر الأسلوب المباشر في التواصل، والذي قد يتعارض مع الأسلوب غير المباشر الذي يعتمده الشريك التجنبي ــ الانتقاصي عند مواجهة المشكلات.
لدعم الشريك التجنبي ــ الانتقاصي بشكل أفضل، يمكن للمفكرين استثمار قدراتهم التحليلية لتوضيح المواقف المتوترة. فالثبات الانفعالي ميزة كبيرة هنا، لكن ينبغي لهم الانتباه لعدم تجاهل المشاعر والبُعد العاطفي الكامن في الموقف. عبر الجمع بين المنطق والذكاء العاطفي المتعمد، بإمكانهم خلق بيئة داعمة تحترم أساليب التعبير الذاتي لديهم ولدى شريكهم على حد سواء.
للتفكير: كيف يمكنك توظيف مهاراتك التحليلية لزيادة وعيك بالديناميكيات العاطفية التي تؤثر في التواصل داخل علاقتك؟
عاطفي (F)
غالباً ما يكون أصحاب أنماط الشخصية العاطفية متيقظين جداً للمشاعر في علاقاتهم العاطفية. ولهذا السبب قد يعانون عندما يحتاج شريكهم للمساحة، وغالباً ما يأخذون السلوكيات التجنبية بشكل شخصي. لكن حين يدركون أن هذه التصرفات عادةً انعكاس لأسلوب ارتباط الشريك وليست انتقاصاً منهم، يستطيع العاطفيون الاستفادة من تعاطفهم وحساسيتهم في دعم شريكهم على نحو أفضل.
ينبغي للعاطفيين احترام حدود شريكهم، مع ضرورة الاعتناء برغبتهم الجذرية بالترابط العاطفي. ولتحقيق ذلك، يمكنهم تقديم نموذج صحي وآمن للتعبير عن المشاعر عبر النقاش المفتوح حول مخاوفهم، مع إعطاء الشريك الحرية للانفتاح حين يشعر بالراحة. هذه الطريقة تشجع على التقارب دون الضغط. تحقيق التوازن بين التعاطف والحساسية والوعي الذاتي سيمنح أصحاب الشخصية العاطفية المقدرة على تغذية العلاقة مع احترام احتياجات الشريك المرتبطة بطريقة الارتباط لديه.
للتفكير: كيف يمكنك استخدام ذكائك العاطفي لفهم وتقبّل تفضيلات شريكك دون التضحية بسلامتك النفسية؟
مخطط (J)
أنواع الشخصيات المخططة بطبيعتها تفضل النظام والاستقرار في علاقاتها، وهذا كثيراً ما يتعارض مع تردد الشريك التجنبي ــ الانتقاصي في الالتزام أو تنظيم الخطط المستقبلية. وقد يشعر المخططون بالإحباط من هذا النمط، كما أن محاولاتهم المتكررة لتنظيم الأنشطة المشتركة قد تجعل الشريك يشعر بالضغط أو التطفل.
إذا ما مزج المخططون ميولهم الطبيعية مع احترام استقلالية الشريك، فقد يبدأ الشريك التجنبي ــ الانتقاصي في تقدير الاستقرار والثبات الذي يقدمه المخططون. ولخلق علاقة أكثر دعمًا وأماناً، ينبغي لأصحاب النمط المخطط أن يتدربوا على المرونة. فإذا منحوا الشريك الوقت الكافي لاستيعاب الخطط والالتزامات حسب وتيرته الشخصية، سيتمكنون من خلق بيئة منظمة لكن مستوعبة، ما يساعدهم في تقبّل حالة عدم اليقين ويساعد الشريك على بناء شعور أكثر أماناً بالارتباط.
للتفكير: كيف يمكنك الموازنة بين حاجتك للهيكل والتخطيط وبين حاجة شريكك للاستقلالية حتى تخلق استقراراً من دون ضغط؟
استكشافي (P)
نظرًا لمرونتهم الفطرية، قد يجد بعض أصحاب الشخصيات الاستكشافية سهولة في تقبل السلوكيات المرتبطة بالارتباط التجنبي ــ الانتقاصي لدى شريكهم. وحتى إذا أزعجهم سلوك الشريك، فقد يكونون أكثر استعداداً لتجاوز الأمر ببساطة. صحيح أن هذه القدرة على التكيف تساعد في الحفاظ على السلام، لكنها قد تقود أيضاً إلى تعزيز السلوكيات التجنبية، ما يسمح لمشكلات خطيرة بالتفاقم مع الوقت داخل العلاقة.
يمكن لأصحاب الشخصية الاستكشافية الاستفادة بشكل أكثر وعيًا من مرونتهم وإبداعهم في دعم الشريك التجنبي ــ الانتقاصي. فبدلاً من تجاهل السلوكيات المزعجة، يمكنهم ابتكار طرق جديدة لمناقشة المخاوف والمشاعر مع مراعاة احتياجات الشريك. كما أن انفتاحهم على التجارب الجديدة يمكّنهم من التقارب مع الشريك بطرق تحترم الحدود وتخلق بيئة مريحة وخالية من الضغط. هذا النهج يساعد الشريك على الشعور براحة أكبر للانفتاح وبناء الحميمية تدريجياً، مع ضمان معالجة التحديات الكبرى إذا ظهرت.
للتفكير: كيف يمكنك استثمار مرونتك في معالجة قضايا العلاقة مع الحفاظ على بيئة تحترم حدود شريكك؟
واثق (-A)
يملك أصحاب الأنماط الواثقة القدرة على الحفاظ على هويتهم في مواجهة مصاعب الحياة، وهذا يمنحهم قدراً كبيراً من الاستقرار العاطفي في العلاقة مع شريك تجنبي ــ انتقاصي. لكن، أحياناً قد يرى شريكهم أن الثقة بالنفس والأسلوب المباشر في معالجة المشكلات أمر فيه ضغط زائد، ما يثير ميوله التجنبية. وبرغم قدرة الواثقين عموماً على التعامل مع تغيرات العلاقة، إلا أنهم قد يصابون بالإحباط إذا كان الشريك يتجنب باستمرار معالجة قضايا كان ينبغي حلها بالفعل.
ينبغي للواثقين المزج بين طاقتهم الإيجابية والتدخل الحساس لدعم شريكهم التجنبي ــ الانتقاصي بشكل أكثر تعاطفاً. وعن طريق الاستفادة من ثباتهم الداخلي، يمكنهم توفير مساحة للشريك ليتعامل مع قضاياه حسب وتيرته، بينما يظلون حاضرين ومساندين حتى عندما تميل طبيعتهم الذاتية إلى الإسراع بمعالجة المشكلات والمضي قدماً. هذا النهج يُظهر احتراماً لحساسية الشريك العاطفية كما يقدم نموذجاً للتواصل المستقر والمتفهم.
للتفكير: ما هي استراتيجيات النمو الشخصي التي قد تسمح لك بتطوير مزيد من الصبر والحساسية تجاه احتياجات شريكك؟
مضطرب (-T)
بفضل حساسيتهم الفطرية، يجد أصحاب الشخصية المضطربة أنفسهم كثيراً ما يفرطون في تحليل سلوكيات شريكهم التجنبي ــ الانتقاصي. وبسبب ميلهم للانتقاد الذاتي، غالباً ما يقودهم ذلك للشك الشديد بالنفس والقلق، خصوصاً حين يبتعد الشريك أو يرفض محاولات التقارب. ولسوء الحظ، قد تؤدي محاولات المضطربين لطلب الطمأنينة إلى زيادة السلوكيات التجنبية لدى الشريك، ما يخلق ديناميكية صعبة للطرفين.
وبرغم هذه الصعوبات، يحمل المضطربون نقاط قوة فريدة للعلاقة. فهم شديدو الملاحظة وقادرون على تمييز القضايا مبكراً، كما تدفعهم نزعتهم للشك الذاتي للبحث عن التغيير للأفضل. لكي يكونوا شركاء داعمين بحق، ينبغي للمضطربين التركيز على تطوير استراتيجيات لتنظيم مشاعرهم بشكل مستقل، مع الحفاظ على اهتماماتهم وصداقاتهم الخاصة. عن طريق إدارة مشاعرهم ومشاركة تجاربهم في تنظيم الذات مع الشريك، سيخلقون فرصاً للتقارب ونمو مشترك في رحلة العلاقة.
للتفكير: ما هي مهارات تنظيم الذات العاطفية التي يمكنك اكتسابها لتتمكن من تلبية احتياجاتك العاطفية بنفسك؟
استراتيجيات شاملة لدعم شريك تجنبي ــ انتقاصي
بعد قراءة كل نصائحنا الخاصة بأنماط الشخصية، قد تلاحظ وجود بعض الاستراتيجيات العالمية التي يمكن لأي شخص يُحب شريكاً تجنبياً ــ انتقاصياً اتباعها:
- احترم استقلاليتهم: تقبل احتياج شريكك للاستقلال وامنحه التقدير. تجنب السلوكيات التي قد تجعلهم يشعرون بالاختناق.
- شجّع التواصل المفتوح دون فرضه: اخلق بيئة آمنة يعبّر فيها شريكك عن نفسه بلا حكم. كن صبوراً وتجنب الضغط الزائد لانتزاع الانفتاح العاطفي.
- ابنِ الثقة مع الوقت: اظهر باستمرار دعمك عبر تصرفات بسيطة تُثبت أنك شخص محترم وجدير بالثقة والاعتماد.
- وازن بين التقارب والمساحة الشخصية: تعلم التمييز بين الأوقات التي يكون فيها شريكك منفتحاً على التقارب وتلك التي يحتاج فيها للمسافة.
- عالج الخلافات بشكل بنّاء: واجه القضايا بهدوء وامنح شريكك الوقت الذي يحتاجه لمعالجة أفكاره ومشاعره.
أما الاستراتيجية الأهم على الإطلاق؟
اعتنِ بنفسك: بغض النظر عن نمط شخصيتك، من الضروري وضع حدود صحية والمطالبة بصدق بما تحتاجه في العلاقة. عليك أن تمارس العناية الذاتية وتلجأ إلى الدعم (سواء من مصدر خارجي أو مختص محترف) عند الحاجة.
أفكار ختامية
تذكّر، إن دعم شريك يملك أسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي ليس هدفه أن تغيّر فيه ولا أن تغيّر نفسك. إنما هو يتعلق بتنمية الصبر والتفهم والنهج المناسب لشخصيتك، من أجل بناء علاقة متينة وآمنة تقوى على مواجهة تحديات الحياة.
من خلال استثمار نقاط قوتك الشخصية والوعي بالتحديات المحتملة، يمكنك الدخول لعلاقتك بشكل أكثر قصدية لتلبية احتياجاتك واحتياجات شريكك معاً. ربما لن تكون الرحلة سهلة دائماً، لكن بالإصرار والبصيرة والالتزام بالنمو ستستطيع الاستمتاع بعلاقة مُرضية بعمق قائمة على الاحترام والتعاطف والتقدير المتبادل.
في النهاية، إن محبة شخص لديه أسلوب ارتباط تجنبي ــ انتقاصي تدور حول إيجاد التوازن ــ بين القرب والاستقلالية، التسامح والدفاع عن الذات، وفهم شريكك والعناية بنفسك. إنها رحلة نمو لكل منكما، وقد تكون أحياناً صعبة، لكنها أيضاً غنية بالمكافآت وتمنحك فهماً أعمق لنفسك، ولشريكك، ولجوهر الحب ذاته.
والآن نود العودة إليك، لنسمع منك. إذا كان شريكك تجنبياً ــ انتقاصياً، ما هي الاستراتيجيات التي نجحت معك؟ وإذا كنت أنت من تملك هذا الأسلوب في الارتباط، فما الدعم الذي تحتاجه من شريكك أكثر من غيره؟ وما الذي تتمنى أن يفهمه شريكك عن أثر أسلوب ارتباطك على العلاقة؟ شاركنا رأيك في التعليقات أدناه.
للمطالعة الإضافية
- اقرأ مقالات أخرى في سلسلتنا حول دعم شركاء بأنماط ارتباط مختلفة.
- التعبير عن الذات، والحدود، والحب: متى تتحدث وتفرض رأيك
- استكشاف خلافات العلاقات من منظور نوع الشخصية
- عقبات داخلية أمام الترابط العاطفي لكل نوع شخصية
- اكتشف المزيد عن نموك الشخصي وعلاقاتك من خلال مجموعة الأدلة والاختبارات المتميزة المناسبة لنوع شخصيتك.